دمج شرق الفرات- تحديات سوريا الجديدة وشروط قسد

المؤلف: عمر كوش09.18.2025
دمج شرق الفرات- تحديات سوريا الجديدة وشروط قسد

لا تزال قضية إلحاق مناطق شرق الفرات بسوريا المستقبلية تشكل محور نقاش مستمر بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي بسطت نفوذها على هذه المناطق. يعلن قادة هذه القوات علنًا عن تأييدهم لوحدة التراب السوري من حيث المبدأ، وإعلان استعداد (قسد) للالتحاق بالجيش السوري الجديد.

إلا أنهم في المقابل يفرضون شروطًا تعتبر غير مقبولة من قبل السلطات الحالية، بالإضافة إلى عدم اتخاذهم أي خطوات عملية تثبت صدق نواياهم تجاه وحدة الأراضي السورية وسيادتها. فهم يتعاملون وكأنهم يديرون كيانًا خارج النطاق السوري، وذلك من خلال استمرارهم في فرض سيطرتهم على جزء كبير من الأراضي السورية، واستغلالهم لثروات هذه المناطق الغنية بالخيرات الطبيعية، حيث تتمركز فيها أغلب حقول النفط والغاز السورية.

قوى الهيمنة

في البداية، يجب الإشارة إلى أن ما يعرف بمناطق شرق الفرات، الواقعة في شمال شرق سوريا، تضم خليطًا متنوعًا من الأعراق، ولا يشكل الأكراد أغلبية السكان فيها، حيث يتعايش فيها العرب والأكراد والآشوريون والسريان، في ظل غياب إحصاءات دقيقة وموثوقة.

يسود شعور بالقلق العميق لدى المكون العربي جراء سياسات وتوجهات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا، الذي يعتبر القوة المهيمنة الفعلية على مناطق شمال شرق سوريا، ويديرها من خلال أذرعه المتعددة على مستويين:

  • الجانب العسكري: يتمثل في وحدات حماية الشعب الكردية، وهي الذراع العسكرية للحزب، والتي تشكلت إثر اندلاع الثورة السورية في عام 2011، وسيطرت على مناطق شرق نهر الفرات، بتسهيل من نظام الأسد السابق. ثم أصبحت الركيزة الأساسية في قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في عام 2015.
  • الجانب المدني: يتمثل فيما يسمى بالإدارة الذاتية (التي أطلق عليها في البداية فدرالية روج آفا-شمال سوريا، ثم تغير الاسم إلى النظام الاتحادي الديمقراطي لشمال سوريا). وقد تأسست في عام 2013، ويشرف عليها مجلس سوريا الديمقراطية (مسد).

يعتبر حزب الاتحاد الديمقراطي بمثابة الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني التركي (PKK)، نظرًا لسيطرة عناصره على الحزب، وعلى جميع مؤسساته المدنية والعسكرية، وهو ما يفسر حساسية تركيا تجاه هذه الكيانات، التي تصنفها ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية، وتطالب بإنهاء وجودها في شمال شرق سوريا، باعتبارها تهديدًا لأمنها القومي على حدودها الجنوبية، بالإضافة إلى خوضها حربًا طويلة الأمد ضد حزب العمال الكردستاني، منذ ثمانينيات القرن الماضي.

التحدي الأهم

يشكل دمج قوات سوريا الديمقراطية في الدولة السورية الجديدة التحدي الأكبر الذي يواجه الحكومة السورية، التي تسعى بكل جهد لإعادة بناء مؤسسات الدولة، وخاصة المؤسستين؛ العسكرية والأمنية. وتتلخص نقاط الخلاف بين الحكومة السورية الجديدة والقوى المسيطرة على مناطق شمال شرق سوريا في الآتي:

  • أولًا: تعمل الحكومة الجديدة وفقًا لمبدأ وحدة البلاد على تشكيل جيش وطني موحد يضم تشكيلات عسكرية احترافية تحت سلطة الدولة، وهو ما يعني منع انتشار السلاح وحصره في يد الدولة. وقد أعلنت عن حل جميع الفصائل، بما فيها "هيئة تحرير الشام"، بينما يصر قادة (قسد) على الاحتفاظ بأسلحتهم والدخول كوحدة متكاملة، أي كجسم عسكري مستقل داخل الجيش، ويرفضون تفكيك تشكيلاتهم المليشياوية، التي تضم عددًا كبيرًا من المقاتلين الأجانب، وخاصة عناصر حزب العمال الكردستاني التركي.

وهذا الأمر غير مقبول لدى القيادات السورية الجديدة، التي ترفض وجود كيانات مستقلة بعناصرها وعتادها وسلاحها داخل الجيش الجديد، لأن ذلك يرسخ الاعتراف بوجود كيانات عسكرية مستقلة، ويؤدي إلى تفكك المؤسسة العسكرية. بالإضافة إلى أن السلطات الجديدة تطالب برحيل جميع المقاتلين غير السوريين.

  • ثانيًا: تسعى القوى المسيطرة على مناطق شرق الفرات إلى الحفاظ على قواتها العسكرية وتماسكها داخل الجيش السوري، رغبة منها في الحفاظ على وضع خاص في إدارة مناطق سيطرتها الحالية، معتبرة أنها تشكل حيزًا جغرافيًا مستقلاً بها.

يتذرع حزب الاتحاد الديمقراطي وجميع مؤسساته بأنه يمثل الأكراد السوريين الذين عانوا من الظلم التاريخي، وتم سلب حقوقهم القومية. إضافة إلى أن هذه القوى المسيطرة تسعى للحصول على حصة خاصة من الثروات الموجودة في تلك المناطق.

لا تعارض الحكومة الحالية في دمشق منح المجالس المحلية في تلك المناطق قدرًا من الاستقلالية في إطار اللامركزية الإدارية التي تشمل جميع مناطق سوريا، مع الاعتراف الدستوري بضمان الحقوق الثقافية للمكون الكردي، إلا أنها تعترض على أشكال الحكم الذاتي أو الفدرالي، الذي تعتبره يتعارض مع وضع سوريا ووحدة أراضيها وشعبها.

  • ثالثًا: تستمد (قسد) قوتها ليس فقط من عدد مقاتليها الذي يقدره بعض الخبراء بنحو 80 ألف مقاتل، ولا من دعم قوات التحالف الدولي، بل أيضًا من امتلاكها ملفات هامة، تتمثل في إدارتها سجونًا تضم مقاتلين يشتبه بانتمائهم إلى تنظيم الدولة، ومخيمات تأوي عوائلهم.

بالإضافة إلى سيطرتها على جزء كبير من الحدود مع العراق وتركيا، وإدارتها معابر حدودية مع العراق وإقليم كردستان العراق، فضلاً عن فرض نفوذها على عائدات حقول النفط والغاز.

وفقًا لتقديرات منظمة "هيومن رايتس ووتش" لحقوق الإنسان، تدير (قسد) مخيمي "الهول" و"روج"، اللذين يضمان حوالي 42500 شخص، من بينهم حوالي 18 ألف شخص أجنبي، ينتمون إلى 60 دولة.

ترى الحكومة الجديدة أنها قادرة على إدارة السجون والمخيمات المذكورة في المناطق التي تسيطر عليها (قسد)، وأن مهمة إدارتها تقع على عاتق الدولة السورية، التي تمتلك القدرات اللازمة للقيام بذلك.

وقد عرضت السلطات الجديدة على قيادة التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة موضوع تسليم إدارة تلك السجون والمعتقلات إلى "جيش سوريا الجديد" المدعوم من التحالف، والذي أعلن ولاءه واندماجه مع الجيش السوري الجديد.

رابعًا: لجأت الحكومة السورية الجديدة إلى الحوار والتفاوض مع (قسد) باعتباره خيارها الأساسي لحل الخلافات معها، وقد شهدت الفترة الماضية عقد لقاءات بين الطرفين، إلا أن بعض المسؤولين في الحكومة يرون أن (قسد) تماطل، وتسعى لكسب الوقت بانتظار اتضاح الموقف الأميركي، حيث لم يتضح بعد موقف إدارة الرئيس ترامب تجاه سوريا، وخاصة فيما يتعلق ببقاء أو انسحاب القوات الأميركية المتواجدة في سوريا ضمن قوات التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة، والتي تستقوي بها (قسد).

بينما ترى الحكومة الجديدة أن القضية الكردية هي شأن سوري داخلي، يجب أن يحل في إطار الوحدة الوطنية السورية، من خلال ضمان حقوقهم في دولة القانون والدستور. وعلى هذا الأساس طلبت السلطات الجديدة في دمشق من القيادة التركية التريث، وعدم القيام بأي عملية عسكرية ضد (قسد)، بهدف منحها بعض الوقت للتفاهم معها بشكل سلمي.

آفاق مستقبلية

لا شك أن الخيار الأمثل هو أن يؤدي الحوار إلى حل لمشكلة دمج الكيان الكردي في النسيج السوري الجديد، وهو ما يفسر تفضيل بعض قادة قسد الحوار والتفاوض مع الحكومة الجديدة في دمشق، بالتزامن مع الرسالة التي وجهها الزعيم الكردي التركي عبد الله أوجلان إلى قسد، والتي يرجح أنها تضمنت دعوته إلى الاندماج في سوريا الجديدة، والتخلي عن السلاح ووقف العمل العسكري.

يشير الواقع الحالي إلى أن قسد قد وضعت نفسها خارج نطاق الحوار السوري، بعد تشكيل لجنة تحضيرية للحوار الوطني، وهو ما أدى إلى ارتفاع الأصوات المطالبة بمشاركتها الفعالة فيه، بهدف صياغة دستور يضمن حقوق الأكراد السوريين في إطار المواطنة المتساوية، وهو ما يدفعها إلى التخلي عن الشروط الصعبة، والتراجع عن المطالبة بالفدرالية، وهو ما يعني إضعاف نفوذ التيار المرتبط بقيادة حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل المدعوم من إيران.

من المحتمل أن يذعن قادة حزب الاتحاد الديمقراطي للضغوط الممارسة عليه، خاصة من جانب قادة إقليم كردستان وتركيا، وأن يتخذ خطوات أولية مثل الموافقة على إدارة مشتركة لمناطق سيطرته في المرحلة الانتقالية، بما في ذلك سجون مقاتلي تنظيم الدولة وخيام عوائلهم والمعابر البرية.

في الختام، فإن مسألة اندماج قسد في الكيان السوري الجديد مرتبطة بتفاعلات دولية وإقليمية ومحلية معقدة. إضافة إلى أن الحكومة السورية الجديدة حريصة على عدم توتير العلاقات مع الولايات المتحدة، التي لا تزال تحتفظ بقواعد عسكرية في مناطق شمال شرق سوريا، وذلك بانتظار التوصل إلى تفاهمات مع إدارة الرئيس ترامب.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة